كنا قد شرعنا ابتداء من المقال رقم 42 في تحليل آلية الفعل الإستراتيجي المكونة من الوسائل والغايات والحركية التي تربط بينهما. حللنا في المقالين (44 و 45) العنصر الأول في هذه الآلية وهو الوسائل. تم انتقلنا إلى تحليل العنصر الثاني وهو الأهداف في المقالات الثلاثة الأخيرة (46 و 47 و 48). ابتداء من هذا المقال نشرع في تحليل العنصر الثالث والأخير وهو المنهج.
قلنا في تعريف الإستراتيجي
ة هي فن قيادة تنظيم نحو مشروع بأفضل منهج وأفضل شروط الكلفة والنتائج رغم كل الصعوبات التي تطرحها الظرفية.
المنهج إذن هو أحد أهم مكونات آلية الفعل الإستراتيجي وهو فن إعداد الوسائل وتنظيمها وتسهيل الانتقال منها إلى الغايات. لكن ليست كل المناهج فعالة أي تتيح الانتقال من الوسائل إلى الغايات فليست كل الطرق تؤدي إلى روما. لأجل ذلك يعتبر سؤال الفعالية من أهم أسئلة المنهج. فما هي مبادئ فعالية المنهج؟
- المبدأ الأول: التوازن بين النزعة الإرادية للفاعل وما يتيحه الواقع والتاريخ من فرص
هل يرتبط المنهج بإرادة الفاعلين الحرة في اختيار اتجاه الفعل وإيقاعه وحجم الموارد المجندة له أم بالفرص المتاحة والتي يجب استغلالها بذكاء إستراتيجي؟ من المؤكد أن المنهج يرتبط بهما معا؛ أولا لأن حرية الفعل خاصية لازمة للفعل الإستراتيجي كما مر بنا في مقال سابق، وثانيا لأن الإستراتيجية تقوم على التحليل الدائم للمحيط واليقظة الدائمة اتجاهه لمعرفة الفرص واستغلالها. للمنهج إذن طبيعة مزدوجة متجدرة في إرادة الفاعلين من جهة وفي الفرص المتاحة لهم من جهة أخرى.
- المبدأ الثاني: التغيير التدريجي للوسائل وإعادة التعريف المستمر للغايات
يخضع المنهج لجدلية الوسائل والغايات الدائمة ويفترض من الفاعل التسلح ب"السحر" الضروري الذي يتيح له تغيير الوسائل بشكل تدريجي وإعادة تعريف الغايات بشكل دائم. في الإستراتيجية نجد أنفسنا نغير الوسائل بشكل تدريجي ونعيد تعريف الأهداف بشكل دائم وهذا ما يؤكد بأن الإستراتيجية ليست خطة محكمة التصميم ومكتملة العناصر والأركان تنفذ بحرفية دقيقة لتأمين نجاحها. وهنا يكمن بالضبط قلب الفعل الإستراتيجي.
د.ادريس أوهلال