إحدى مشاكل الطلاب لدينا هي أنهم لا يدركون أهمية العلم. فتجدهم يتعاملون مع العلم الذي يتلقونه في المدرسة على أنه عبئاً بدنياً ونفسياً عليهم. ويحتالون بطرق كثيرة لينجحوا وليتفوقوا بأيسر الطرق عبر الملخصات والمدرس الخصوصي ودروس التقوية والغش وتملق المعلمين.
وبعيداً عن النجاح والتفوق الدراسي، يعد العلم حاجة ضرورية للجميع ولاسيما في عصرنا الحديث هذا. فإذا لم يستعن الطالب بالعلم، سيصبح جاهلاً وإمعةً ومحتقراً وذليلاً ومستغلاً ومستعبداً في أيدي الغير. وإن استعان الطالب بالعلم، سيحرر ويعول ويرتقي بنفسه وعائلته ومجتمعه. وإذا أجتهد، سيصل إلى مراكزٍ لم يصلها غيره.
وبفضل الإنترنت ووسائل التكنولوجيا الأخرى لا نعذر الطالب في فشله في حياته العلمية. فجميع العلوم متوفرة نوعاً وكماً في الإنترنت. ولم يبق عليه إلا أن يبذل أكبر جهد ووقت ممكنين ليتعلم وليبدع.
ولا فائدة بل كارثة إذا تعلم الطالب دون أن يصاحب عملية تعليمه تربية حقيقية. فسهلٌ أن يتعلم الطالب أهمية الإخلاص والأمانة في العمل نظرياً، لكنه تجده في الواقع يتأخر عن مدرسته وعن درسه ويهمل واجباته ويغش في الاختبار. وإذا توظف، تجده يقصر في عمله ويخون الأمانة. فبالتالي لا قيمة لما تعلم، بل لو لم يتعلم ويكون في هذه الوظيفة لكان أفضل.
ولا تقتصر التربية على التربية الأخلاقية من حلال وحرام وعيب بل تتجاوزها إلى تربية نفسية ليصبح قادراً على أن يتعامل مع ما يدور بداخله، وإلى تربية شخصية ليصبح له كياناً يميزه عن الغير، وإلى تربية بدنية ليصبح صحيحاً في جلسته ومشيته وشكله، وإلى تربية عقلية لتزويده بالعلوم العصرية ومساعدته في الإبداع، وإلى تربية اجتماعية ليكون مساهماً في النهوض والمشاركة الإيجابية في مجتمعه.
وهذه الأمور التربوية لا تأتي عبر المواعظ والحكم والأمثال التي ملَّ منها الطلاب بل عبر رؤيتهم للقدوة الحسنة التي تسبق أفعالها أقوالها. فعندما يكون المعلم قدوةً في سلوكه، يفعل ما يدعو له ثم يوجه الطالب إلى الطريق الصحيح ويدربه على الفعل الصالح ويصححه إذا انحرف عنه ويشجعه، عندها سيصبح العمل الصالح عادة وسلوكاً في الطالب منذ صغره. فينشأ ويكبر الطالب بأخلاق سامية وبمهارة ونشاطٍ في عمله معتمداً على نفسه وواثقاً بها ومتعاوناً مع غيره. عندها يحقق الكمال والكفاءة مع جيله ليصنعوا مجتمعاً خيراً وقوياً ومنتِجاً ويتطلعوا إلى مستقبلٍ مشرقٍ.
لكن واقعنا المرير هو أن المعلم أصبح لا يعلم ولا يربي. الكلٌ يتدخل في ويعيق تعليمه وتربيته. فمشرف المادة يتدخل والكمبيوتر يتدخل ليتجاوز عن الطلاب المكملين الذين أهملوا ولعبوا وأساءوا. والطالب وولي أمره يتدخلان في التربية وهما منها براء. فيأتيك ولي أمر الطالب يقول للمعلم: ابني متربي أحسن تربية ولا أنت ولا أشكالك من يعلمنا كيف نربي؟!
أصبح المعلم والمربي الفعلي هو أسوء الموروثات الشعبية البدائية التي اعتاد عليها الآباء والأجداد عندما يوصي الأب ابنه - بدعوى أن الطالب أصبح رجلاً لا يؤتمر بأمر المعلم - بأن لا يذهب إلى الإدارة المدرسية بصحبة العريف عندما يقل أدبه في الفصل، بل ويضع الطالب رجلاً على رجل غير عابئ بما يقول المعلم. أصبح المعلم والمربي الفعلي هي الخادمة وهو السائق اللذان تعهدا الطالب منذ طفولته بالرعاية الإندونيسية والسريلانكية والبنقالية والفلبينية. أصبح المعلم والمربي الفعلي هي الشخصيات التلفزيونية المملة والتافهة والمرتزقة والمبتذلة. أصبح المعلم والمربي الفعلي هو شخصيات الشارع من مفحط وفتوة وجرية وخريج السجون. أصبح المعلم والمربي الفعلي هو شريحة سوا والماسنجر والشقة المفروشة والاستراحة والسياحة.
فحتى يَصْلح حال المجتمع من أفراد ومجموعات، لابد من انتقاء المعلمين المؤهلين والمخلصين ودعمهم معنوياً وحمايتهم نظامياً وأمنياً من عبث الحمقى والجهلة حتى يستطيع أن يخرِّج أجيالاً مهذبة غرائزياً وذات فكر وعمل بنَّاء ليتحول المجتمع من الهمجية إلى المدنية ومن ظلمة الرجعية إلى نور العلم.